لَهَا، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً؛ فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا مِنْ الْفَاجِرِينَ انْتَهَى.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ. أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا " وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الطَّوَاعِينَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ الْجِنَّ وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» .
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الطَّعْنُ: الْقَتْلُ بِالرُّمْحِ، وَالْوَخْزُ طَعْنٌ بِلَا نَفَاذٍ، فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ إنَّ الطَّاعُونَ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا، وَأَنَّ سَبَبَهُ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ، وَقَدْ أَبْطَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ هَذَا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا وُقُوعُهُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً وَأَطْيَبِهَا مَاءً، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ وَالْحَيَوَانَ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ يُصِيبُهُ الطَّاعُونُ، وَبِجَانِبِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَمَنْ يُشَابِهُ مِزَاجَهُ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ وَقَدْ يَأْخُذُ أَهْلَ الْبَيْتِ بِأَجْمَعِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ أَصْلًا، وَيَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا يُصَابُ مِنْهُ إلَّا الْبَعْضُ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ أَقَلَّ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ يَقْتَضِي تَغْيِيرَ الْأَخْلَاطِ وَكَثْرَةَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَهَذَا يَقْتُلُ بِلَا مَرَضٍ أَوْ بِمَرَضٍ يَسِيرٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ لَعَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِمُدَاوَمَتِهِ الِاسْتِنْشَاقَ. وَالطَّاعُونُ إنَّمَا يَحْدُثُ فِي جُزْءٍ خَاصٍّ مِنْ الْبَدَنِ لَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، وَلِلُزُومِ دَوَامِهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَأْتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا انْتِظَامٍ، فَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ عِدَّةَ سِنِينَ.
وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهَذَا الطَّاعُونُ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ حَتَّى سَلَّمَ حُذَّاقُهُمْ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ جَمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute