فِي " الْكَافِي " فَإِنْ عَايَنَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ.
قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ " الرِّعَايَةِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكُ أَوْ مَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَيْ تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ؟ قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَالصَّوَابُ: تُقْبَلُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغْت الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» .
وَقَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ، وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً؛ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصِي (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةَ - رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ وَوَرَثَتُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةَ عَمٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلْيُوصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ: بِئْرُ جُشَمَ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، فَبَعَثَ ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، وَهَذِهِ قِصَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يُحَصَّلُ ثَوَابُهَا لَهُ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ الْمُنْجَزِ، فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ مِنْ مَالٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا رُدَّتْ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَهَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، فَإِذَا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُهَا مِنْ الْبَالِغِ صَحَّتْ مِنْهُ، وَمَا لَا فَلَا.
قَالَ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةُ وَهُمَا قَاضِيَانِ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ (أَوْ) كَانَ الْمُوصِي (كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ هِبَتُهُ صَحِيحَةٌ فَوَصِيَّتُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) كَانَ (قِنًّا) أَوْ مُدَبِّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فِي غَيْرِ مَالٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute