للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ، لَا عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ رُشْدَهُ؛ فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ.

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِخَطٍّ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ مُوصٍ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ) أَنَّهُ خَطُّهُ (أَوْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُ خَطُّهُ) وَيُعْمَلُ بِهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا وَجَدَ فِي دَفْتَرِ مُوَرِّثِهِ [إنَّ] لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا؛ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِهِ: إنِّي أَدَّيْت إلَى فُلَانٍ مَا عَلَيَّ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ وَثِقَ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ وَأَمَانَتِهِ.

وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ انْتَهَى.

قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» .

وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا: «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَهِيَ كَاللَّفْظِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنْ كَانَ عُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورٌ الْخَطُّ يَنْفُذُ مَا فِيهَا. فَإِنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلْقَاضِي حَيْثُ اعْتَبَرَ مُعَايَنَةَ الْبَيِّنَةِ.

وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ اسْتِقْرَارًا لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ انْتَهَى.

وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا يَأْتِي، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا عُمِلَ بِهَا (وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُ مُوصٍ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ، فَيَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ أَوْ يُقْتَلَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) - أَيْ: الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ - وَ (لَا) تَصِحُّ (إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>