مَا فِي يَدِهِ إلَى السَّيِّدِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ: لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: الْقَاتِلُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَتْلِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ؛ قُلْنَا: هَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا، بَلْ بِحُكْمِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ الْقَاتِلُ الْمِيرَاثَ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَلَّ الدَّيْنُ.
(وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ مَالِ كِتَابَةٍ) قَبْلَ حُلُولِهَا لِسَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَ طَلَبُ تَعْجِيلِ ذَلِكَ (بِوَضْعِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِيَ، أَوْ أُبْرِئَك مِنْهُ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ؛ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَتَخْفِيفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا عُجِّلَ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ؛ فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ.
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ كَأَنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ، فَقَالَ: أَخِّرْهُ إلَى كَذَا وَأَزِيدُك كَذَا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ. (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا) عَجَّلَ مُكَاتَبُهُ كِتَابَتَهُ (أَخْذُ) مَالٍ (مُعَجَّلٍ بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى السَّيِّدِ فِي قَبْضِهِ، وَيَعْتِقُ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، لَا يُقَالُ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يَعْتِقُ فِيهِمَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا، فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضِهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ضَرَرٌ؛ بِأَنْ دَفَعَهَا بِطَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَخْزَنٍ كَالطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute