«وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» .
وَيُقَالُ عَنْ السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مَنْكُوحَةٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِمَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ كَاللَّفْظِ الْآخَرِ (مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ: عَكْسُهُ) : أَيْ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " " وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ " وَ " الْعُمْدَةِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ " وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغُلَامِ ثَعْلَبٍ، وَلِقَوْلِ الْعَرَبِ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَيُرَى: أَيْ أَضْرَبْنَا فَحْلَ حُمُرِ الْوَحْشِ أُتُنَهُ، فَسَيُرَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا. فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْنَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلَهَّفُ
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ النِّكَاحِ بِإِزَاءِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لَكَانَ اسْمًا عُرْفِيًّا يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ (وَالْأَشْهَرُ) أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] (وَالْمَعْقُودُ) الَّذِي يُرَدُّ (عَلَيْهِ) عَقْدُ النِّكَاحِ (مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ) لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ؛ إذْ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قَالَ الْقَاضِي فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ، لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا. وَقِيلَ: بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الِازْدِوَاجُ كَالْمُشَارَكَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute