يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ قَلِيلِ الْكَسْبِ يَضْعُفُ قَلْبُهُ عَنْ التَّزْوِيجِ: فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣] انْتَهَى.
وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ مَصَالِحِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحِ أَحَدُهَا عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ.
فَائِدَةٌ: قَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى صَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً اشْتِغَالًا بِطَلَبِ الْعِلْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ شَغَلَهُ النِّكَاحُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ فَطَلَبُ الْعِلْمِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَشْتَغِلْ أَحْمَدُ بِكَسْبٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى بَلَغَ مِنْ الْعِلْمِ مَا أَرَادَ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ المروذي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: مَا تَزَوَّجْت إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ.
(وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) أَصْلًا، كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يَجِبُ النِّكَاحُ لَهَا أَوْ يُسْتَحَبُّ - وَهُوَ خَوْفُ الزِّنَا أَوْ وُجُودِ الشَّهْوَةِ - مَفْقُودَةٌ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَهُوَ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ، وَتَخَلِّيهِ إذَنْ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ) النِّكَاحُ لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ، وَيَضُرُّهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute