مُحَمَّدًا مِنْ نَارِ الْحَرْبِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مَقَامَ الْخُلَّةِ أَعْطَى مُحَمَّدًا مَقَامَ الْمَحَبَّةِ؛ بَلْ جَمَعَهُ لَهُ مَعَ الْخُلَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى فِي الْمِعْرَاجِ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: أَتَّخِذُهُ خَلِيلًا وَحَبِيبًا، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ، وَلَمَّا أَعْطَى مُوسَى قَلْبَ الْعَصَا حَيَّةً أَعْطَى مُحَمَّدًا حُنَيْنَ الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَغْرَبُ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَبْهَرُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ تَفْجِيرَ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ الْكَلَامَ أَعْطَى مُحَمَّدًا الدُّنُوَّ وَالرُّؤْيَةَ، وَأَعْطَى يُوسُفَ شَطْرَ الْحُسْنِ، وَأَعْطَى مُحَمَّدًا الْحُسْنَ كُلَّهُ، وَلَمَّا أَعْطَى دَاوُد تَلْيِينَ الْحَدِيدِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا اخْضِرَارَ الْعُودِ الْيَابِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمَّا أَعْطَى سُلَيْمَانَ كَلَامَ الطَّيْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا أَنْ كَلَّمَ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ وَالزَّرْعَ وَالضَّبَّ، وَلَمَّا أَعْطَى عِيسَى إبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى، أَعْطَى مُحَمَّدًا رَدَّ الْعَيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهَا، وَهَكَذَا.
(وَ) أُحِلَّتْ لَهُ (الْمَغَانِمُ) وَلَمْ تَحُلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ؛ لِحَدِيثِ: «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي» وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَنَائِمُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا، فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُهَا إلَّا الذُّرِّيَّةَ.
(وَجُعِلَتْ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ: مَحَلَّ سُجُودٍ، فَأَيَّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي مَكَان صَلَّى، وَلَمْ تَكُنْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ تُصَلِّي إلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ (وَ) جُعِلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ «تُرَابُهَا طَهُورًا» ) أَيْ: مُطَهِّرًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ شَرْعًا رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.
«وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ» ) أَيْ: بِسَبَبِ خَوْفِ الْعَدُوِّ مِنْهُ (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أَمَامَهُ وَشَهْرٍ خَلْفَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ. رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَجُعِلَتْ الْغَايَةُ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute