(وَبُعِثَ لِلنَّاسِ كَافَّةً) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ؛ فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَا كَانُوا مَعَهُ، وَأُرْسِلَ إلَى الْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى قَوْلٍ.
(وَأُعْطِيَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ فِيهِ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، وَعَلَى مَا فِي " الْمَوَاهِبِ " وَ " الْخَصَائِصِ " وَغَيْرِهِمَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: جُلُوسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَرْشِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: عَلَى الْكُرْسِيِّ.
(وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) كَالْقُرْآنِ، وَانْقَطَعَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ؛ إذْ أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ؛ كَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَعَصَا مُوسَى، فَانْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ، وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ إلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ؛ إذْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْلَمُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ
(وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِبَرَكَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ (بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ يَفُورُ؛ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) حِينَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وُقُوعُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَنَفَذَ الْمَاءُ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَفَارَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْهِ، فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ، قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ ") قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ "، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. قَالَ فِي " الْمَوَاهِبِ ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةِ مَاءٍ وَلَا وَضْعِ إنَاءٍ، تَأَدُّبًا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute