وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ» فَمِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": إذَا كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي سَفَرِ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْقَوْلُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِيهِ بَشَاعَةٌ؛ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْ صَرَاحَتِهِ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ مَا؛ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي زِنًا مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
(فَلَا يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ (إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا الطَّلَاقِ (بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (مُتَكَلِّمَيْنِ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (سَمِيعَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الْعَقْدَ فَيَشْهَدُ بِهِ (مُسْلِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يُشْتَهَرُ بِحُضُورِهِ، صَحَّ (فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (فَاسِقَيْنِ) لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ، فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا (مِنْ غَيْرِ أَصْلِ وَفَرْعِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيِّ، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ، وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute