يُزَوِّجُ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ تَمْلِيكِهِ) أَيْ الْعَبْدِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (لَهَا) أَيْ: لِلزَّوْجَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِ بَيْعَهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْهَا (لِيَفْسَخَ نِكَاحُهَا) بِمِلْكِهَا زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ (فَيَحْرُمُ الْكُلُّ وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا، وَعَلَّلَ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُحَلِّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ لِيُحَلِّلَهَا لَهُ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا. انْتَهَى.
وَلَا يَحْصُلُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْإِحْصَانُ (وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ) الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا لِفَسَادِهِ، وَيَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ.
(وَلَوْ نَوَى الزَّوْجُ عِنْدَ الْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، صَحَّ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) . وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَدَمَ مَكَّةَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لَهُ صِغَارًا، وَعَلَيْهِ إزَارٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ رُقْعَةٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ رُقْعَةٌ، فَسَأَلَ عُمَرَ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَتْ: هَلْ لَك أَنْ تُعْطِيَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ شَيْئًا وَيُحِلَّك لِي؟ قُلْت: نَعَمْ إنْ شِئْت فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَدْخَلَتْ إخْوَتَهُ الدَّارَ، فَجَاءَ الْقُرَشِيُّ يَحُومُ حَوْلَ الدَّارِ، وَقَالَ: يَا وَيْلَاهُ غَلَبَ عَلَى امْرَأَتِي، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غُلِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي قَالَ: مَنْ غَلَبَك؟ قَالَ ذُو الرُّقْعَتَيْنِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: كَيْف مَوْضِعُك مِنْ قَوْمِك؟ قَالَ: لَيْسَ بِمَوْضِعِي بَأْسٌ، قَالَتْ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَك: طَلِّقْ امْرَأَتَك، فَقُلْ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُكْرِهُك، فَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَك؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ قَالَ عُمَرُ: لَوْ طَلَّقْتهَا لَأَوْجَعْت رَأْسَك بِالسَّوْطِ. وَرَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا بِسَنَدِهِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute