للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَشُرْبِ الدَّوَاء الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ وَالْمَرَضِ؛ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» .

وَحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْعَقْلُ كَالْبَيْعِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ عَلَى مَنْ (سَكِرَ بِجَامِدٍ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ) لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: قَصْدُ إزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ نَحْوِ أَكْلِ الْبَنْجِ، وَبَيْنَ السَّكْرَانِ، فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ.

(وَيَقَعُ) طَلَاقُ (مَنْ أَفَاقَ مِنْ نَحْوِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ) لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ، وَعَلِمَ بِهِ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا حَالَ صُدُورِهِ مِنْهُ، فَلَزِمَهُ.

(وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ غَضِبَ) وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ ": مَا يَقَعُ مِنْ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.

وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فِي الظِّهَارِ، وَمِنْهُ «غَضِبَ زَوْجُهَا، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، فَفِي آخِرِهَا قَالَ «فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا» .

وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ مُطْلَقًا، بَلْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا " إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>