للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَصَّلَ فِيهَا، فَقَالَ: الْغَضَبُ ثَلَاثَةُ أَقَسَامً: أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ مَبَادِئُهُ وَأَوَائِلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَا ذِهْنُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَيَقْصِدُهُ؛ فَهَذَا الْإِشْكَالُ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَصِحَّةِ عُقُودِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَرَدُّدِ فِكْرِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْغَضَبُ نِهَايَتَهُ بِحَيْثُ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ؛ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَالْغَضَبُ غُفُولُ الْعَقْلِ، فَإِذَا اغْتَالَ الْغَضَبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا تَنْفُذُ مَعَ عِلْمِ الْقَائِلِ بِصُدُورِهَا مِنْهُ وَمَعْنَاهَا وَإِرَادَتِهِ لِلتَّكَلُّمِ، فَالْأَوَّلُ يَخْرُجُ مِنْ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْغَضْبَانِ، وَالثَّانِي يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ، وَالثَّالِثُ يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُكْرَهًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ فِي الْغَضَبِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَتَعَدَّى مَبَادِئَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى آخِرِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَعُقُودِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا، وَهُوَ فَرْعٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الْأَئِمَّةُ انْتَهَى.

وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَجْزِمْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ غَيْرَ أَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْضًا فِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " بِاخْتِصَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَقَدْ أَطَالَ وَأَكْثَرَ فِيهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ.

وَقَالَ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ فَمِنْ وُجُوهٍ وَسَاقَ لَهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا.

قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ.

(أَوْ) أَيْ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ (شَرِبَ طَوْعًا عَالِمًا) بِالتَّحْرِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>