وُقُوعُ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ وَالِاخْتِفَاءِ؛ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ مَعَهُ طَلَاقٌ (وَفِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ " وَيَتَوَجَّهُ تَعَدِّيهِ إلَى كُلِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ) وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ الْإِكْرَاهِ (مِنْ قَادِرٍ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ) وَقَاطِعِ طَرِيقٍ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ) شَدِيدٍ (أَوْ حَبْسٍ) أَوْ قَيْدٍ طَوِيلَيْنِ (أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ) أَخْذُهُ مِنْهُ ضَرَرًا (كَثِيرًا فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ (وَ) يُشْتَرَطُ غَلَبَةُ (ظَنِّ إيقَاعِهِ) أَيْ: مَا هَدَّدَهُ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ (وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَحْوِ هَرَبٍ وَاخْتِفَاءٍ، فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ) أَيْ: الْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُلْزِمُهُ اللُّصُوصُ فَطَلَّقَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَالْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ مَضِيقٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ، كَمَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ أَشْبَهَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (بَلْ يَجِبُ طَلَاقُهُ إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ) قَادِرٌ (وَ) غَلَبَ عَلَى (ظَنِّهِ) إيقَاعُ ذَلِكَ (مِنْهُ) إنْ لَمْ يُطَلِّقْ؛ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.
وَرَوَى سَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ تَدَلَّى فِي حَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ، فَجَلَسَ عَلَى الْحَبْلِ، فَقَالَتْ لَهُ: لِتُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا، وَإِلَّا قَطَعَتْ الْحَبْلَ، فَذَكَرَ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ؛ فَلَيْسَ هَذَا طَلَاقًا (وَكَمُكْرَهٍ) ظُلْمًا فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ (مَنْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ (إذَا بَلَغَ بِهِ السِّحْرُ إلَى أَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ إذَنْ (وَضَرْبٌ يَسِيرٌ) فِي حَقٍّ لَا يُبَالِي بِهِ (لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إلَّا لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا) أَيْ: إهَانَةً لِصَاحِبِهِ وَغَضَاضَةً (وَشُهْرَةً) فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute