وَالزَّجْرُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؛ فَوَجَبَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَقَتَلَتْهُ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا عَلِمَ حَظْرَ الْقَتْلِ؛ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ، فَانْقَطَعَ حُكْمُ الْآمِرِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ.
(أَوْ) أَمَرَ بِالْقَتْلِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) فَقَتَلَ؛ لَزِمَ الْقِصَاصُ الْآمِرَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ أَمَرَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ [ (سُلْطَانٌ ظُلْمًا مَنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ] (لَزِمَ الْآمِرَ فَقَطْ الْقَوَدُ) دُونَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ؛ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْحَقِّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ فِي الْقَتْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يُطَاعُ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ قَتْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ لَهُ مَعْصِيَةً، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ، فَهَذَا الْجَهْلُ بِعَدَمِ الْحِلِّ كَالْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَأْمُورُ (الْمُكَلَّفُ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (لَزِمَهُ) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» ، وَحَدِيثِ: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْ الْوُلَاةِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
(وَ) حَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَأْمُورِ (أُدِّبَ آمِرُهُ) بِمَا يَرْدَعُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ؛ لِيَنْكَفَّ عَنْ الْعَوْدِ لَهُ.
(وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَرَى الْقَتْلَ دُونَ مَأْمُورٍ، كَمُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَحُرٍّ) قَتَلَ (عَبْدًا) فَقَتَلَهُ، (فَ) قَالَ الْقَاضِي: (الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَاتِلُ (عَامِّيًّا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ، وَالْمُقَلِّدِ فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ فِيمَا رَآهُ (وَعَكْسُهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute