بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ انْفَرَدَ عَنْ الْقَطْعِ، فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ هَذِهِ زَائِدَةٌ بَلْ مُخِلَّةٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْعَفْوِ قَبْلَ الْبُرْءِ كَحُكْمِهِ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبُرْءِ عَلَى مَالٍ مُوجِبٌ لِدِيَةِ الْعُضْوِ الْأَوَّلِ عَلَى الْجَانِي، وَعَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ثَانِيًا الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا.
(وَمَنْ وُكِّلَ فِي) اسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ، ثُمَّ عَفَا) مُوَكِّلٌ عَنْ قَوَدٍ وَكَّلَ فِيهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ وَكِيلُهُ) بِعَفْوِهِ (حَتَّى اقْتَصَّ) (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْوَكِيلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ؛ لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلَ اسْتِدْرَاكُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَفَا بَعْدَمَا رَمَاهُ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ؛ فَلِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ، (وَإِنْ) كَانَ قَبْلَهُ وَ (عَلِمَ وَكِيلُهُ) بِالْعَفْوِ فَقَدْ قَتَلَهُ ظُلْمًا (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً، وَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَفْوِ حَتَّى اقْتَصَّ، وَقُلْنَا: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ قَتْلِهِ؛ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَفَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ أَشْبَهَ الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزْوِيجِ مَعِيبَةٍ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ لِمَعْنًى آخَرَ كَقَتْلِ الْأَبِ.
(وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَنْ قَوَدِ نَفْسِهِ أَوْ دِيَتِهَا صَحَّ) عَفْوُهُ؛ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَكَعَفْوِ وَارِثِهِ عَنْ ذَلِكَ، (فَ) لَوْ قَالَ مَجْرُوحٌ (عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ) قَالَ: عَفَوْت عَنْ هَذِهِ (الضَّرْبَةِ؛ فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، إذْ السِّرَايَةُ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ بِسِرَايَتِهَا بِالْأَوْلَى، كَمَا لَوْ قَالَ (عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ) فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالْجِنَايَةِ الْجِرَاحَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute