ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. وَيَتَّقِي الرَّاجِمُ الْوَجْهَ (وَلَا يُجْلَدُ) الْمَرْجُومُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا» . وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يُنْفَى الْمَرْجُومُ) قَبْلَ رَجْمِهِ.
(وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) لَا سُرِّيَّتُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ (وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا) وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا (فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ) كَفِي نِفَاسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ (وَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَانِ (مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا (أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ بِنِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَأُخْتِهِ؛ إذْ تَزْوِيجُهُ بِنَحْوِ أُخْتِهِ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ؛ «لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ، فَرُجِمَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَيُفَارِقَ الْإِحْصَانُ إحْلَالٌ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ؛ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَالنِّعْمَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute