للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْفُجُورَ فِي اللُّغَةِ: الْكَذِبُ وَالِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ الزِّنَا، وَالْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ: هِيَ الْمُتَصَنِّعَةُ لِلْفُجُورِ، فَإِطْلَاقُ الْقَبْحَةِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ إضَافَةَ الزِّنَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَصَنَّعُ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ فُجُورٍ، وَأَقْحَبَتْ أَعَمُّ مِنْ الْفُجُورِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْفُجُورُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْفُجُورِ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَالطَّوِيَةِ وَالْأَفْعَالِ، وَإِذَا احْتَمَلَ مِثْلَ هَذَا الْمَعَانِيَ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ.

(وَ) قَوْلُهُ (لِزَوْجَةِ شَخْصٍ قَدْ فَضَحْته وَغَطَّيْتِ) رَأْسَهُ (أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ) ؛ أَيْ: حَيَاءً مِنْ النَّاسِ بِشَكْوَاكِ (وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا) ؛ أَيْ: أَنَّهُ مُسَخَّرٌ لَكَ، مُنْقَادٌ كَالثَّوْرِ، (وَعَلِقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، أَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ) ؛ أَيْ: بِالنُّشُوزِ أَوْ الشِّقَاقِ وَبِمَنْعِ الْوَطْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(وَ) قَوْلُهُ (لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ يَا فَارِسِيُّ يَا رُومِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَبَطِيَّ اللِّسَانِ، أَوْ فَارِسِيَّ الطَّبْعِ، أَوْ رُومِيَّ الْخِلْقَةِ؛ (وَ) قَوْلُهُ (لِأَحَدِهِمْ) ؛ أَيْ: النَّبَطِيِّ أَوْ فَارِسِيِّ أَوْ رُومِيِّ (يَا عَرَبِيُّ) وَالنَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بَيْنَ الْعِرَاقِيِّينَ. [وَفَارِسُ] بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ، وَأَهْلُهَا الْفُرْسُ، وَفَارِسٌ أَبُوهُمْ، وَالرُّومُ فِي الْأَصْلِ ابْنُ عِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَلَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا أَعْجَمِيُّ بِالْأَلِفِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الْعُجْمَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَرَبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا غَيْرَ فَصِيحٍ، (وَ) قَوْلُهُ (لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَا) فَإِنَّ هَذَا فِي الظَّاهِرِ مِنْ اللَّفْظِ لَيْسَ بِقَذْفٍ.

وَ (التَّعْرِيضُ) فِي الْقَذْفِ كَقَوْلِهِ لِآخَرَ (مَا أَنَا بِزَانٍ، أَوْ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ يَسْمَعُ مَنْ يَقْذِفُ شَخْصًا ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: صَدَقْت، أَوْ صَدَقْت فِيمَا قُلْت، أَوْ أَخْبَرَنِي) فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْت (أَوْ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْت وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قَذَفَ، فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا.

قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَوْ قَالَ لَهَا: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةً. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة حَنْبَلٍ: لَا أَرَى الْحَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ أَوْ الشَّتْمَةِ (فَإِنْ نَوَى بِمَا) مَرَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ الزِّنَا، (لَزِمَهُ الْحَدُّ بَاطِنًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا إظْهَارُ نِيَّتِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>