وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ: الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: ٢٦]
وقَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى.
قَالَ أَحْمَدُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ، وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ لَمْ يَحْتَكِمُوا فِي غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْمُخَاطَبَ بِنَصَبِ الْقُضَاةِ الْإِمَامُ كَمَا يَأْتِي.
(وَوِلَايَتُهُ) ؛ أَيْ: الْقَضَاءِ (رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ) وَنَصَبَةُ شَرْعِيَّةٌ (وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ) قَالَ. مَسْرُوقٌ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْوِلَايَةِ دِينًا وَقُرْبَةً؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهِ) ، أَيْ: الْقَضَاءِ: (وَفِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوِزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ) وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
أَيْ: مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ، فَلْيَحْذَرْهُ، وَالذَّبْحُ هَاهُنَا مَجَازٌ عَنْ الْهَلَاكِ.
فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَعِ أَسْبَابِهِ (فَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ) أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ، (وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ: «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ» .