وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إلَى الْأَمْصَارِ كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ،
لِئَلَّا يَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّفَرِ إلَى الْإِمَامِ، فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ
؛ لِمَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ.
وَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ، وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ، فَيَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ عِلْمًا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ الْعِلْمِ بِهِ، الْأَفْضَلُ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ وَكَذَا مِنْ وَرَعِهِ أَشَدُّ، سُكُونُ النَّفْسِ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ أَعْظَمُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ سَأَلَ عَمَّنْ يَصْلُحُ، فَإِنْ ذُكِرَ لَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْئُولِ غَرَضٌ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْهَا، فَإِذَا عَرَفَهَا وَلَّاهُ، وَإِلَّا لَمْ يُوَلِّهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (وَيَأْمُرُهُ بِالتَّقْوَى) وَإِيثَارِ الطَّاعَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
(وَتَحَرِّي الْعَدْلِ) وَالِاجْتِهَادِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ، وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ عَهْدًا يَذْكُرُ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ وَلَّاهُ، أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ إلَى آخِرِهِ (وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ: نَاحِيَةٍ (أَفْضَلُ مَنْ يَجِدُ لَهُمْ) عِلْمًا وَوَرَعًا، لِحَدِيثِ: «مَنْ وُلِّيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ ".
(وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute