قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَجِبُ التَّبَيُّنُ عِنْدَ حُكْمِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا (سَمِيعًا) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمَيِّزُ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا الْمُقِرَّ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ (مُتَكَلِّمًا) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إشَارَتَهُ (مُجْتَهِدًا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إجْمَاعًا)
لِأَنَّ فَاقِدَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] (وَلَوْ) كَانَ اجْتِهَادُهُ (فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ) إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (لِلضَّرُورَةِ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ مِنْهُمْ) صَاحِبُ " الْإِفْصَاحِ " وَصَاحِبُ " الرِّعَايَةِ " (أَوْ مُقَلِّدًا) ، وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ انْتَهَى.
(وَكَذَا الْمُفْتِي) وَعَلَيْهِ فَيُرَاعِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَلْفَاظَ إمَامِهِ، وَيُرَاعِي مِنْ أَقْوَالِهِ مُتَأَخِّرَهَا، وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ، (وَيْحَكُمْ بِهِ - وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ) وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّاهِرِ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِالْهَوَى إجْمَاعًا، وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعًا.
ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَتَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ.
فَالْأَمْثَلِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ (وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَيْضًا) : يُوَلَّى لِعَدَمِ أَنْفَعِ الْفَاسِقَيْنِ وَأَقَلِّهِمَا شَرًّا، (وَأَعْدَلِ - الْمُقَلِّدَيْنِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَاخْتَلَّ النِّظَامُ.
(وَلَوْ وَلَّاهُ فِي الْمَوَارِيثِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا الْفَرَائِضَ وَالْوَصَايَا وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَإِنْ وَلَّاهُ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَفَسْخَهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا ذَلِكَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute