فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي حَقِّهِ. قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مَا لَهُ كَمَا يَسْتَفِيدَ الرَّجُلُ أَسِيرَهُ.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ عَلَى حَاكِمٍ قَبُولُ (هَدِيَّةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ، أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا نَبْعَثُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ عُفْرَةَ إبْطَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ: الْهَدِيَّةُ تَفْقَأُ عَيْنَ الْحُكْمِ. وَظَاهِرُهُ (وَلَوْ) أُهْدِيَتْ إلَيْهِ (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ) لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا اسْتِمَالَةُ الْحَاكِمِ لِيَعْتَنِيَ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَتُشْبِهُ الرِّشْوَةَ (إلَّا مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ، فَيُبَاحُ) لَهُ أَخْذُهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ مِنْ (ذِي رَحِمِهِ) الْمَحْرَمِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ كَانَ يُلَاطِفُهُ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ (وَكَمُفْتٍ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهِيَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ (وَرَدُّهَا) ؛ أَيْ: رَدُّ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا (أَوْلَى) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لِحُكُومَةٍ مُنْتَظَرَةٍ (فَإِنْ خَالَفَ) الْحَاكِمُ فَأَخَذَ الرِّشْوَةَ أَوْ الْهَدِيَّةَ (حَيْثُ حُرِّمَ) أَخْذُهُمَا (رُدَّتَا لِمُعْطٍ) لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْمَأْخُوذِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَاسْتِعَارَتُهُ) أَيْ: الْقَاضِي مِنْ غَيْرِهِ (كَالْهَدِيَّةِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ (وَكَذَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ) وَنَحْوَهُ (فَأَهْدَى لِوَلَدِهِ) وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute