ثُمَّ قَالَ: إنِّي خَاطِبٌ وَمُخْبِرُهُمْ أَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَر الْقِصَّةَ، وَقَالَ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَهَمَّ بِهِمْ الْمُهَاجِرُونَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ صَعِدَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ» ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ بِعِلْمِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ حَدًّا عَلَى رَجُلٍ لَمْ آخُذْهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ. وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي يُفْضِي إلَى تُهْمَتِهِ وَحُكْمِهِ بِمَا يَشْتَهِي وَيُحِيلُهُ عَلَى عِلْمِهِ، لَكِنْ يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْحَاكِمِ عَلَى عِلْمِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ؛ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَاكِمِ تُهْمَةٌ إذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا فَحُكْمُهُ بِهَا حُكْمٌ بِحُجَّةٍ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ مَرْجُوحَةٍ) قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَقَرِيبٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ عَمَلُ الْحُكَّامِ بِصُورَةٍ تُسَمَّى بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (قَبُولِي الشَّاهِدِ الْبَاقِي) مِنْ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ رَفِيقِهِ (الْقَضَاءَ) لِعُذْرٍ، فَيَقْضِي بِمَا سَمِعَهُ بَيْنَ الْمُقِرِّ، وَقَدْ عَمِلَ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِنَا وَأَعْظَمُهُمْ الشَّارِحُ.
(وَيْحُكُمْ وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةٍ بَيِّنَةٍ وَجَرْحِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّينَ أَوْ جَرْحِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْ الْمُزَكِّينَ إلَى مُزَكِّينَ، ثُمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى مُزَكِّينَ، وَهَكَذَا.
(وَمَنْ جَاءَ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ (بِبَيِّنَةٍ فَاسِدَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ) لِئَلَّا يَفْضَحَهَا (وَقَالَ لِمُدَّعٍ زِدْنِي شُهُودًا) وَلَمْ يَقْبَلْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute