قَبْلَ الْبَيَانِ) وَيَأْمُرُ بِالصُّلْحِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] وَمَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ أَوْ اللَّبْسِ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا يَحْكُمُ بِهِ.
(وَيَحْرُمَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ (وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَكَمْتُ بِكَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ) فَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ (لِذَلِكَ) .
(وَلَهُ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ وَبِإِقْرَارٍ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ)
(وَيُتَّجَهُ احْتِمَالُ) الْحُكْمِ بِبَيِّنَةٍ (لَا) أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَحَلِّ عَمَله) عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، بَلْ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ دَفْعًا لِلرِّيبَةِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ) نَصًّا نَقَلَهُ حَرْبٌ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ الْحُجَجُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِمَا إذَا سَمِعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ مَسْلَمَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ؛ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّار» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
فَجَعَلَ مُسْتَنَدَ قَضَائِهِ مَا سَمِعَهُ لَا غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَبِسَمَاعِهِ أَوْلَى، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ.
وَلَا يَحْكُمُ قَاضٍ (بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (وَفِي افْتِيَاتٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ) وَلَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ؛ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute