ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّهَا أَمْرٌ، فَفِي سَبَبِهَا الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، دَلِيلُهُ الْإِسْلَامُ فَإِذَا وُجِدَ اُكْتُفِيَ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ رُجِعَ إلَى قَوْلِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: ظَاهِرُ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إظْهَارُ الطَّاعَةِ وَإِسْرَارُ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارِضُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: لَسْت أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمَا، وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ صَحَابِيٌّ، وَهُمْ عُدُولٌ.
(وَيَكْفِي فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ) عَدْلَانِ يَقُولَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا: (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: أَرْضَاهُ لِي وَعَلَيَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ قَبُولُهُ عَلَى مُزَكِّيهِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا (وَيَكْفِي فِيهَا) ؛ أَيْ: التَّزْكِيَةِ (الظَّنُّ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ، وَتَجِبُ فِيهَا الْمُشَافَهَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا إخْبَارٌ، فَلَا تَكْفِي فِيهَا رُقْعَةُ الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ) وَهَذِهِ مِنْهَا (وَلَوْ رَضِيَ) مَشْهُودٌ عَلَيْهِ (أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ، لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ (وَبَيِّنَةٌ بِجَرْحٍ مُقَدَّمَةٌ) عَلَى بَيِّنَةٍ بِتَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيٍّ عَلَى الْعَدْلِ، وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ لِلْجَرْحِ وَالْمُعَدِّلُ نَافٍ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَإِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ، فَانْتَقَلَ فَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فِي بَلْدَةٍ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فِي الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، قُدِّمَتْ التَّزْكِيَةُ (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ) لِشَاهِدٍ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَحِقَهُ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِعَدَالَتِهِ إقْرَارٌ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ، فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ (أَوْ تَصْدِيقِهِ) ؛ أَيْ: الْخَصْمِ (لِلشَّاهِدِ) عَلَيْهِ (تَعْدِيلٌ لَهُ) فَيُؤْخَذُ بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ.
(وَلَا يَصِحُّ مِنْ نِسَاءٍ تَزْكِيَةٌ وَتَجْرِيحٌ) لِقُصُورِ مَعْرِفَتِهِنَّ (وَلَا تَصِحُّ تَزْكِيَةٌ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ) كَقَوْلِ مُزَكٍّ (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْعَدَالَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَلَمْ تُوجَدْ.
(وَمَنْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً) بِأَنْ شَهِدَ فَعُدِّلَ، ثُمَّ شَهِدَ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute