ذَلِكَ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ، وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُونَ إلَيْهِ؛ فَيَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحَقِّ عِنْدَ حَاكِمِهِمْ؛ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ الْمُكَاتَبَةُ فِيهِ.
(يُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَقَذْفٍ وَطَلَاقٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ) وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُقْبَلُ (فِي حَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى (كَزِنًا وَشُرْبِ) مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) ؛ أَيْ: كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى (ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ (وَذَكَرُوا) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ) (حَالُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِفِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَنَّهُ أَصْلٌ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ لَهُ؛ فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ) قَاضٍ (كَاتِبٍ كِتَابَهُ، وَلَا يَقْدَحُ إنْكَارُهُ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَتِهِ) كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ (بَلْ يُمْنَعُ إنْكَارُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةِ (الْحُكْمِ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (كَمَا يَمْنَعُهُ) ؛ أَيْ: الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْحُكْمِ (فَدَلَّ) مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ آخَرَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) .
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الْكَاتِبُ (لِيُنَفِّذَهُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (بِبَلَدٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ (فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْكَاتِبِ (لِيَحْكُمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute