وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِلَّا يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) قَبْلَ إقَامَتِهَا، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ.
(وَفِي الْإِنْصَافِ وَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبٍ قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ انْتَهَى. .
(وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَقْدَحُ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ) بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى.
(وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا، وَتَقَدَّمَ.
(وَيُسَنُّ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ عَقْدٍ سَوَاءٌ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةِ صُلْحٍ وَغَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] .
(وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا: وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ؟ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ "
، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمْعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرِي مَأْكُولٍ عَيْبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute