للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَاهٍ أَوْ خَفْرٍ، وَقَالَ أَيْضًا (وَكَذَا مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ (وَمُحْتَسِبٍ) وَالْخَلِيفَةِ انْتَهَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُفْتِي تَفْصِيلٌ.

(وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَزِنًا وَشُرْبٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا) لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» .

وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَشُدِّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدَّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، وَيُتَوَجَّهُ لِمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ.

(وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ: الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا، وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ، عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَقَالَ مَا عِنْدَك يَا سَلْحَ الْعُقَابِ، وَصَاحَ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ.

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّارِقِ: «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» مَرَّتَيْنِ. وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. .

(وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ؛ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

(وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي؛ لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ؛ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] الْآيَةَ.

(وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا؛ لِحَدِيثِ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>