سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ، فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ (فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِمَّنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا) ؛ أَيْ: الرَّوَاتِبِ، فَإِنَّ تَهَاوُنَهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى أَسْبَابِ دِينِهِ، وَرُبَّمَا جَرَى التَّهَاوُنُ بِهَا إلَى التَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ وَتُقْبَلُ مِمَّنْ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي (اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنَ) ؛ أَيْ: يُدَاوِمَ (عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ اجْتِنَابِ كُلِّ الْمَحَارِمِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ذَنْبٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: ٣٢] .
مَدَحَهُمْ لِاجْتِنَابِهِمْ مَا ذَكَرَ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُمْ الصَّغِيرَةُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا» ؛ أَيْ: لَمْ يُلِمَّ.
وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً، وَأَدْمَنَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُعَدُّ مُجْتَنِبًا لِلْمَحَارِمِ، وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " الْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَطَائِفَةٍ بِحَسْبِهَا، فَيَكُونُ الشَّهِيدُ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَنْ كَانَ ذَا عَدْلٍ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ قَوْمٍ لَكَانَ عَدْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَبِهَذَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَّا فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي شُهُودِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ؛ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَاتُ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا.
(وَالْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ) كَأَكْلِ الرِّبَا، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَفِي مُعْتَمَدِ الْقَاضِي مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ، وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ، وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِتَوْفِيقٍ (زَادَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ نَفْيِ إيمَانٍ كَقَتْلِ) نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَزِنًا وَلِوَاطٍ (وَقَذْفٍ بِهِ، وَسِحْرٍ، وَأَكْلِ مَالٍ ظُلْمًا، وَرِبًا وَكِتَابَتِهِ وَشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، وَتَوَلٍّ بِزَحْفٍ) ؛ أَيْ: الْفِرَارَ عِنْدَ الْجِهَادِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ (وَشُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ) بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute