إذَا قَالَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ بَلَى، فَمُقِرٌّ.
«وَفِي قِصَّةِ إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى» .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَفِيهِ صِحَّةُ الْجَوَابِ بِبَلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا نَفْيٌ، وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهَا.
قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا؛ أَيْ: مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
(وَإِنْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (اقْضِنِي دَيْنِي عَلَيْك أَلْفًا) فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا) ، فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ (إلَيَّ أَلْفًا مِنْ الَّذِي عَلَيْك) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ (هَلْ لِي عَلَيْك) أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَلِي عَلَيْك أَلْفٌ، فَقَالَ: نَعَمْ) فَقَدْ أَقَرَّ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ (أَوْ) قَالَ (أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ) أَمْهِلْنِي (حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ) فَقَدْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُهْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ (أَوْ) قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ كُلَّهُ، وَيَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ؛ فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَطَلَ مَا وَصَلَهُ بِهِ، كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، وَكَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأَلْفِ، لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي عِلْمِي أَوْ قَالَ: فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: فِيمَا أَعْلَمُ لَا إنْ قَالَ: فِيمَا أَظُنُّ؛ فَقَدْ أَقَرَّ) لَهُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ لِإِقْرَارِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ؛ إذْ مَا فِي عِلْمُهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ الظَّنِّ.
(وَإِنْ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطِ قُدُومٍ) عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ) فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا، أَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ قَالَ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا) لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ ثُبُوتَهُ عَلَى شَرْطٍ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ سَابِقٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ يَكُونُ وَعَدَا، لَا إقْرَارًا، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ تَبَرُّكًا وَتَفْوِيضًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute