عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» قَالَ جَمَاعَةُ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ ": الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَى بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوْتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَقَالَ فِي " الْفُرْقَانِ ": الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرِّضَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ، لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا.
(وَحَرُمَ نَدْبٌ، وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِوَاوٍ مَعَ زِيَادَةِ أَلِفٍ وَهَاءٍ فِي آخِرِهِ، كَقَوْلِ: وَا سَيِّدَاه وَا جَبَلَاه، وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاه.
(وَ) حَرُمَ (نَوْحٌ، وَهُوَ: رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرَنَّةٍ) ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» (وَ) حَرُمَ (شَقُّ ثَوْبٍ) لِمَا يَأْتِي، (وَكُرِهَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِ) ثَوْبٍ (مَشْقُوقٍ، وَحَرُمَ لَطْمُ خَدٍّ وَخَمْشُهُ) وَتَسْوِيدُهُ (وَصُرَاخٌ وَنَتْفُ شَعْرٍ وَنَشْرُهُ وَحَلْقُهُ) ، لِحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ»
فَالصَّالِقَةُ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُقَالُ: السَّالِقَةُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْحَالِقَةُ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالشَّاقَّةُ: الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا.
وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالسَّخَطِ مِنْ فِعْلِهِ، وَفِي شَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.
(وَفِي " الْفُصُولِ " يَحْرُمُ نَحِيبٌ وَتَعْدَادُ) مَحَاسِنِ مَيِّتٍ وَمَزَايَاهُ، (وَإِظْهَارُ جَزَعٍ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنْ الظَّالِمِ، وَهُوَ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute