للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحمية والاعتصام الاحتماء، ومنه سميت القلاع العواصم لمنعها وحمايتها، ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلا لمن استمسك بهاتين العصمتين؛ فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة، والاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح، ولهذا اختلفت عبارات السلف رضي الله عنهم في الاعتصام بحبل الله تعالى بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الاعتصام بحبل الله هو التمسك بدين الله، وقال ابن مسعود: هو الجماعة (١)، فإنها حبل الله الذي أمر به، وقال مجاهد وعطاء رضي الله عنهما: الاعتصام بحبل هو التمسك بعهد الله، وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه، والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب، وأصله في استعمال العرب: الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبال عند شدائد أمورهم، ويصلون بها المتفرق فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور (٢). وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه والامتناع والاحتماء به (٣) والله أعلم.

قوله: (وهو حسبي ونعم الوكيل) ختم الخطبة بذلك، لأن الله تعالى وعد من تحصن بها بالأمن من محل يخشاه، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ


(١) مدارج السالكين (١/ ٤٥٧ - ٤٥٨).
(٢) شرح النووى على مسلم (١٢/ ١١).
(٣) مدارج السالكين (١/ ٤٥٩).