للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البغتة وعموم الموت الذي هو مر المذاق، وفي قوله: هذا دليل على أن الإنس والجن لا يعلمون من معنى الساعة ما يعرف غيرهم من الدواب (١).

قال ابن عبد البر في كتاب التمهيد (٢): وهذا أمر تقصر عنه أفهامنا، ومن هذا الجنس من العلم لم يؤت الناس منه إلا قليلًا.

قال ذو النسبين: وقد نظرت في كتاب اللّه العظيم وحديث رسوله محمد الكريم فلاح لي السر في تخصيص الدواب دون غيرهم، فأقول واللّه الموفق للصواب، أما إصاخة البهائم توقيا للساعة التي في يوم الجمعة كما ثبت عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فإصاختها محمول على إلهام اللّه تعالى إياها في ذلك اليوم على ما جبلها عليه من توقيها لما يضرها وانقيادها لما ينفعها جبلة لا عقلا وإحساسا حيوانيًا لا إدراكا فهميا، وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث: شفقا من الساعة، والشفق الخوف، وإذا جبل اللّه عز وجل النملة على حمل قوتها وإدخاره لزمن الشتاء محاذرة من مضرة تكون فيه على أجسامها، فجبلة البهيمة على الإصاخة لمحاذرة يوم تكون فيه الساعة المؤذنة بهلاكها وهلاك العالم أقرب وأولى، وهذا شيء لا يتكرر إلا يحمل بنظره في عجائب المصنوعات، ولم يطلع على حكمة اللّه تعالى في الموجودات، ولم يدر معنى قول خالق الأرض والسموات، ومن استقرأ أحوال الحيوانات رأى حكمة اللّه تعالى فيها لما سلبها العقل جعل لها حسا تفرق به بين الضار لها والنافع


(١) العلم المشهور (١٦٤) والآيات البينات (ص ٢٩٤) وكلاهما لابن دحية.
(٢) التمهيد (٢٣/ ٤٢) والاستذكار (٢/ ٤٤).