قال النووي رحمه اللّه (١): اعلم أن هذا الحديث يشتمل على فوائد وجمل من القواعد، إحداها: تقرير هذه القاعدة أن الكذب عند المتكلمين من أصحابنا الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه عمدا كان أو سهوًا، هذا مذهب أهل السنة، وقال المعتزلة: شرطه العمدية، الثانية: تحريم الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وأنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة، وإباحة الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - موقعة إلى إبطال شرعه وتحريف دينه، ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله هذا هو المشهور من مذاهب العُلماء من الطوائف، وقال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين: يكفر من تعمد الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم -، كذا حكى هذا المذهب عنه، ولده: إمام الحرمين، وكان يقول في دروسه كثيرًا: من كذب على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كفر وأراق دمه، وضعف إمام الحرمين هذا القول، وقال إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وأنه هفوة عظيمة من والده، والصواب ما قدمناه عن الأصحاب، ثم إن كذب عليه - صلى الله عليه وسلم - عمدًا في حديث واحد فسق وردت رواياته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها، فلو تاب وحسنت توبته، فقد قال جماعة من العُلماء منهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعية وأصحاب الوجوه فيهم: لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايتُه بل يختم جرحه دائمًا.