الذين زهدوا في الدنيا، وكان في أيام أفريدون قبل موسى عَلِيْه السَّلام، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقى إلى أيام موسى، قاله جار الله (١).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة" الحديث، العصفور: بضم العين، وحكى ابن رشيق في كتاب الغرائب: والشذوذ عصفور بالفتح والأنثى عصفورة، قال حمزة: سمي عصفورًا لأنه عصى وفر وهو أنواع منها ما هو مطرب بصوته ويعجب بصوته وحسنه ويتميز الذكر منها بلحية سوداء كما للرجل والتيس والديك، وليس في الأرض طائر ولا سبع ولا بهيمة أحنى من العصفور على ولده ولا أشد له عشقا، وذلك مشاهد عند أخذ فراخها، ووكره في العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح، وإذا خلت مدينة عن أحلها ذهبت العصافير منها، فإذا عادوا إليها عادت العصافير.
تنبيه: روى البيهقي وابن عساكر بسندهما إلى أبي مالك قال: مَرَّ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ لَهَا؟ قَالُوا: لَا يَا نَبِيَّ اللهِ. قَالَ: إنَّهُ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ وَيَقُولُ لَهَا زَوِّجِينِي نَفْسَك أُسْكِنُكِ أَيَّ غُرَفِ دِمَشْقَ شِئْتِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ: كَذَبَ الْعُصْفُورُ فَإِنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصُّخُورِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُسْكِنَهَا هُنَاكَ، وَلَكِنْ كُلُّ خَاطِبٍ كَاذِبٌ. وكان سليمان عَلِيْه السَّلام يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها، قال الله سبحانه وتعالى حكاية عنه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ
(١) تفسير الكشاف (٢/ ٧٣١)، وانظر تاريخ الرسل والملوك (١/ ٣٦٥ - ٣٦٦).