أو ابن مسعود -رضي الله عنهما- مس النبي -صلى الله عليه وسلم- لهما [ولا يتذكراه و](١) لا يكاد الإنسان يفعل ذلك بها الغالب إلا بمن يميل قلبه إليه، فذلك دليل على محبته -صلى الله عليه وسلم- لهما، وفي الحديث الابتداء بالنصيحة والإرشاد لمن يطلب ذلك، وفيه حرصه -صلى الله عليه وسلم- على أصل الخير لأمته -صلى الله عليه وسلم- إذ كان هذا الكلام لا يخص ابن عمر في الحقيقة بل ذلك مخاطبة لجميع الأمة من حيث المعنى.
قوله:"فقال كن في الدنيا كأنك غريب" أي كالغريب لا يستقر في دار الغربة ولا يسكن إليها بل لا يزال مشتاقا إلى وطنه عازما على السفر إليه، [أي] لا تركن [إليها أي] الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب بها غير وطنه ولا يشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله ولا شك أن الإنسان إنما خلق ليمتحن بالطاعة والمعصية ليكون من أهل الثواب أو العقاب ومن أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال بدليل قوله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وحينئذ هو كعبد أرسله سيده في حاجة إلى بلد غريبة فهو فيها غريب [عابر سبيل] فشأنه أن يبادر [بقضاء] ما أرسله فيه ثم يعود إلى وطنه.
فمعنى الحديث: اعمل في حياتك ما تلقى نفعه بعد موتك، وبادر أيام صحتك فإن المرض قد يطرأ فيمنعك من العمل فتقدم المعادَ بغير زاد ومن