للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفانية وطول الأمل يتولد منه أربعة أشياء أحدها ترك الطاعة والكسل فيها، والثاني التسويف بالتوبة، والثالث الرغبة في الدنيا، والرابع القسوة في القلب والنسيان للآخرة لأنك إذا أملت العيش الطويل نسيت الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة وزلازلها وأهوالها وأقبلت على أسباب الدنيا وصحبة [الخلق] فيقسو القلب ضرورة فإنما رقة القلب وصفاؤه بذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال يوم القيامة. قال الله تعالى: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (١)، وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (٢)، وقال علي (٣): ارتحلت الدنيا مدبرة وأقبلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. قوله: "وخذ من صحتك لمرضك" الحديث، أي اغتنم العمل حال الصحة فإن المرض مانع منه إذ لا قوة تعين عليه حينئذ فاستسلف وبادر قبل هجومه ففيه حض على اغتنام أيام الصحة فيمهد فيها لنفسه خوفا من مرض يمنعه من العمل، وكذلك قوله [صلى الله تعالى عليه وسلم]: خذ من حياتك لموتك؛ فبالموت ينقطع العمل، فينبغي للإنسان أن يقدر أنه مات ثم يبعث فينظر كيف كان عمله، ففيه تنبيه على اغتنام أيام الحياة ولا يمر عمره باطلا في سهو


(١) سورة الحديد: ١٦.
(٢) سورة الحجر: ٣.
(٣) علقه البخاري (٨/ ٨٩) كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله.