للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد انثالت المباحث الإسلامية من لدن محمد عبده تقرر أن حروب الرسول كانت دفاعية، واستكرهوا واقع التاريخ وقواطع الظواهر من النصوص التقرير هذا الظن، وانتبه عالمان فاضلان لهما الإمامة بين شارحي وجهة النظر الإسلامية اليوم وهما: سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، فقررا خطأ هذا الظن، بيد أني رأيت استدلالًا للفريقين في غير محل النزاع، فمن يقول إن الإسلام لم ينتشر بالسيف غير ممايز بين المسائل الداخلة في محل النزاع، فهو مخطئ لأنه عمم الحكم السالب على مجمل تختلف أفراده، ومن قال: بل انتشر بالسيف غير ممايز بين تلك المسائل فهو مخطيء أيضًا لأنه عمم الحكم الموجب على مختلف الأفراد، وهذه الأفراد المتعددة ثلاث مسائل متغايرات: فمسألة (سيطرة الإسلام على الحكم بالسيف) هي غير مسألة (إرغام الناس على الإيمان بالسيف)، وهاتان المسألتان غير مسألة (بواعث سيطرة الإسلام على الحكم).

وإليك التفصيل: فأما مسألة سيطرة الإسلام على الحكم بالسيف فأقول: ظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينافح بالحجة عن حقيقة الألوهية حتى لم يوجد من يدفع ببرهان، وحقيقة الألوهية تعني أن الله وحده المدبر لهذا الكون المتصرف فيه بره وأرضه وسمائه ونجومه وكواكبه وما ذرأ فيه وما برأ، فمن باب أولى من ناحية العدالة أن خالق هذا الوجود ومدبره كونًا هو الأحق بتدبيره حكمًا بالتشريع والتنظيم.

ومن باب أولى -من ناحية البرهان- أن خالق هذا الوجود ومدبره كونًا هو الأحق بتدبيره أيضًا حكمًا بالتشريع والتنظيم؛ لأن خالق الكون أعلم بما يصله.

<<  <   >  >>