للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ناحية أخرى فثمت فارق -ولله المثل الأعلى- بين الكامل اللا متناهي في علمه وقدرته وإحاطته، وبين مخلوق محدود العمر ومحدود المكان في وسطه من هذه القشرة الأرضية، مهما امتدت آفاقه في المعرفة فيعتريه السهو والنقص وحب الذات ونوازع الهوى، فأيهما أولى بالتشريع: خالق الكون المحيط به أم من لا يخلق ذبابة، ولا يدرأ عنه نفسه الموت، ولا مخلص له من حتميات القدر؟ فإذ قد بدت هذه الحقيقة، وبدت حقيقة أخرى لا ينكرها التاريخ؛ وهي أنه لم يعاصر الإسلام نظام يؤسف عليه، وإذ قد كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس قيادة وريادة: فلا بد لكل مسلم من أي جنس ومن أي بقعة أن تكون له القوامة على هذا الدين؛ والله قادر على نصر دينه، ولو شاء لانتصر منهم ولكنه سبحانه أراد أن يبلونا، إذا تقرر هذا كله: فالحاكمية حق الله، والمسلمون حملتها وسيوفها، ففرض ولا بد أن ينتزعوها من الجاهلية بظبا سيوفهم وبآخر قطرة من دمائهم.

فما الذي يحملنا على طمس هذه الحقيقة كما طمست اليهود آية الرجم من توراتها؟ أفهان علينا ديننا الحق إشفاقًا من المغالطات؟ أم لأن واقعنا السياسي -معشر المسلمين في كل أرض- لا يسمح بكلمة حق؟ وأيضًا فالحقيقة هي الحقيقة لا يطمسها واقع الناس مهما كانت مرارتها: وليس بصحيح على الإطلاق أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتح مكة، وقاتل الروم، وفتح أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- بلاد الروم والفرس دفاعًا.

إن هذا تحوير للتاريخ، واستخفاف بعقول الناس. إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- نبي رسول أوحى الله إليه الشرع وأمر بتبليغه، والتبليغ لا يكون إلا بحماية حرية

<<  <   >  >>