من الكتاب ومهيمنًا عليه؛ أي شاهدًا عليها أنها حق من عند الله، أمينًا عليها، حافظًا لها؛ فما وافق القرآن فهو الحق، وما خالفه فالله حاكم بيننا وبينهم فيه يوم القيامة، وهذا بلا ريبٍ صريح المعقول. أما أن يكون ما وافق القرآن وما خالفه جميعًا جزءًا من التراث الروحي للمسلمين وغير المسلمين، فهذا إبطالٌ لقضية الدين كُلِّها، ويكون معناهُ عندئذٍ أن تنمحي جميع الفروق بين الديانات، وخيرٌ للناس يومئذٍ أن يعترفوا جميعًا ببطلان دياناتهم، ويلتمسوا لأنفسهم دينًا آخر يجتمعون عليه، وهذا شيء لا يقول به أحدٌ من أهل الأديان.
وندعُ هذا الخلط في كلام الدكتور مندور، إلى دلالة الألفاظ التي سبق أن ذكرت في مقالتي الخامسة: أن لويس عوض منذ ملأه مالئه في: "الخلوة المشهودة بين أشجار الدردار عند الشلال بكامبردج"، ثم أطلقه خلال الأدب عامّة، والآداب العربية خاصة، لا يكاد يرى في سماديره إلا "الصليب"، و"الخلاص"، و"الفداء"، و"الخطيئة". ولا يكاد يرى ما يكتبه الكتاب والشعراء؛ كتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور، وغيرهم، إلا مقرونًا بهذه العقائد، وهذه الألفاظ هي نفس الألفاظ التي جاءت في مقال الدكتور مندور، وأفتى فيها بما أفتي!!
وهذه الألفاظ الأربعة ينبغي أن تدرس بلا غموض ولا إبهام، كما يحاول ذلك من يحاول من صبيان المبشرين، وبلا استهانة بدلالاتها كما يحلو ذلك للدكتور مندور وغيره ممن يعدُّها رموزًا لثُراثٍ روحي، لا بأس على المسلم في استعمالها. كلا! إن على المسلم كل البأس؛ لأنه طريقٌ محفوفٌ بالمخاطر،