أما مسألة استخدام الشعر الجديد لهذه الألفاظ الأربعة، فلا بد من تحديد وجهة النظر إلى هذا الموضوع؛ فالشعر تراثٌ عام في كل لغة من اللغات وسواء كان المتكلم بهذه اللغة مُشركًا، أم يهوديًا، أم نصرانيًا، أم مجوسيًا، أم مسلمًا، أم جاحدًا لذلك كله كافرًا به، فمن حقه أن يستخدم شعر اللغة للبيان عما في نفسه، لا يملك أحدٌ أن يدفعه عن ذلك، وليس يجعل شعرهُ حسنًا أن يكون اعتقادُ الشاعر حسنًا عند قارئه، ولا يجعله سيئًا أن يكون اعتقاد الشاعر سيئًا عند قارئه، فالشعر هو كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "الشعر كلام، فحسنهُ حسنٌ، ورديئه رديء، فخذ الحسن واترك الرديء".
وإذا كان الأمر كذلك، فليس يعيب شعرًا يقوله نصراني أن يأتي فيه بألفاظ أهل ملته، ما دام صادقًا في التعبير عن نفسه بكلام جيد يدخل في باب الشعر، وتأتي على النفوس أزمان وأحوال تكون بعض ألفاظ العقيدة كأنها جوٌّ شاملٌ محيط بالنفس الإنسانية، عميقٌ الوخز فيها، شديد التفجير لها من نواحيها، فتجري الألفاظ عندئذ في مدِّ النفس، تلوح معبرة عن معان مختزنة من تجارب القرون التي عاشت بهذه العقيدة، ومن التجربة الحديثة التي نبعت وانبثقت في نفس هذا الشاعر أو ذاك، فالنصراني المعتقد في "خطيئة" أبيه آدم أنها خطيئة لا تمحوها توبة، وأنه ورث هذه الخطيئة في دمه، وأن نكال الهلاك الخالد جاثم على روحه، إذا استدفعه الإحساس الطاغي الصادق إلى الإبانة عن كل ما في نفسه من تراث دينه وعقيدته وثقافته، فذكر بعد ذلك "الفداء"، و"الصلب"، و"اخلاص"، في حق موضعه من الشعر، فقد أحسن غاية الإحسان في الإبانة عن نفسه، وعسى أن يقرأه