للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأسلوب الذي أعني هو أن الفكرة أو المفهوم الذي هو ابن البيئة التاريخية والثقافية في الغرب، والمتمثل في رد فعل لأوضاعها وتجاربها الخاصة يعد في فكر الفلاسفة المدققين عندهم اصطلاحًا خاصًا ونسبيًا تقتصر انطباقيته على أوضاعهم. غير أن الناقلين عندنا من أوساط العلمانيين والمتغربين يأخذون الفكرة والمفهوم والمصطلح الغربي المنشأ ليحوِّلوه أولًا إلى كيان مطلق عالمي الصلاحية والانطباق، ثمَّ يفرضونه ثانيًا على السياق الإِسلامي الحضاري، ويزيحون به ويطردون مفاهيم وأفكارًا ومصطلحات إسلامية هي بنت العقيدة والتاريخ والأمة، بعد أن يصِمُوها بالنسبية والتاريخية والمحدودية.

وهكذا تنعكس الأمور في لعبة فكرية تُدهش من وقاحتها وانكشافها؛ فالمتغير والنسبي والتاريخي عند الغرب (لأنَّه نابع من خصوصيات حضارتهم، ومنزرع وسط أوضاعها، وردُّ فعل على تطوراتها) يصبح هو المطلق والعام والثابت عندنا بعد أن تُنزع من بيئتنا الثقافية والحضارية مفاهيم وأفكار ومصطلحات (منها المطلق والثابت)، بعد وَسْمِها بعدم الصلاحية، وبأنها نسبية تاريخية متغيرة؛ إنها عملية غريبة تختلط فيها المبادئ، ويحلو اللعب بتغيير النسبي إلى المطلق والعكس بالعكس مجرد زرع الفكر الغربي داخل الوسط الإِسلامي، وطرد الإسلام من بين أهله وعشيرته، ومصطلح "التنوير" -كما قلت- هو أحد النماذج الكبرى لهذه العملية.

فالتنوير مصطلح يطلق في الفكر الغربي على مجموعة واسعة من الكتابات ظهرت بدءًا من أواسط القرن الثامن عشر الميلادي وإلى نهايته في

<<  <   >  >>