أوساط الفلاسفة والمفكرين في فرنسا أساسًا، ثمَّ إلى درجة أقل في بريطانيا وألمانيا. وهذه الأفكار ظهرت وسط بيئة متشابكة من ردود الأفعال على الحكومات والطبقات المستبدة (الملكية) في تلك الحقبة، وعلى الأفكار الكنسية المصاحبة لها والمعضدة لها، كما ظهرت متأثرة بنضوج الفكر العقلاني (كما أسموه) الراجع بجذوره إلى عصر النهضة الأوروبية، والمزدهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر كذلك. وظهرت تلك الأفكار على أعقاب التغيرات الكبرى الَّتي حدثت في أوروبا (ومهدت لها) في القرن التاسع عشر فيما عرف بعصر العلم، وعصر الثورة الصناعية، وعصر صعود الطبقة البورجوازية، وعصر الثورات الكبرى (الأمريكية والفرنسية)، وعصر الفكر الحر، وعصر المذاهب الفلسفية الرئيسية (الهيجلية والماركسية)، وتحدد مضمون الكم الفكري المؤسس لحركة التنوير في الأساس بالموقف من الدِّين وفكره - (وهو هنا المسيحية) - كما رسم الفكر العقلاني الإنساني السابق على حركة التنوير والمصاحب لها، ولهذا اتسم فكر التنوير بعداء شديد ورفض للدين مسوَّغ بالعقلانية الَّتي ترفض الغيبيات، وتجمع بين الدِّين وبين الخرافة والخزعبلات في وعاء واحد.
وفكر التنوير يرفض أن تكون الكنيسة وسيطًا بين الإله والبشر، كما يرفض عقائدها المعروفة، ويرفض كتابها المقدس بعد عرضه على مقياس العقل النقدي المادي التشككي النزعة، وعلى معيار علم التاريخ المادي النزعة. ويستخدم فكر التنوير مفهوم العقل بمعنى التوجه المادي والتشككي على وجه الخصوص، ليوجه النقد إلى الدين (المسيحية)، والكنيسة،