للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر إلى المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحرز من حركة لسانه، حتَّى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالًا، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري أعراض الأحياء والأموات ولا يُبالي ما يقول؛ وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان! فقال الله -عزَّ وجلَّ-: من ذا الَّذي يتألى (١) عليَّ أني لا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك". فهذا العابد الَّذي عَبَدَ الله ما شاء أن يعبده، أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله، ثمَّ قال أبو هريرة -صاحب الرِّواية الأخرى من الحديث-: "تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته" (٢) (٣).

كل منا على خطر دائم ممَّا يجنيه لسانه، ولو كان مجرد كلام فيما لا يعنيه، وما أكثر ما نتكلم به فيما لا يعنينا، وقد روى التِّرْمِذِيّ في جامعه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "توفي رجل من الصَّحابة، فقال رجل: أبشر بالجنة! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما يدريك؟ فلعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه"، وفي لفظ: "إن غلامًا استشهد يوم أحد، فوجد على بطنه


(١) يتألى من الإيلاء، وهو اليمين.
(٢) رواه أبو داود، برقم (٤٩٠١)، وأحمد: (٢/ ٣٢٣، ٣٦٣).
(٣) الداء والدواء لابن قيم الجوزية، ص ١٧، المطبعة السَّلَفية ومكتبتها.

<<  <   >  >>