باطل مثلهما؛ ألا ترى أن المعتزلة قد توسطوا في باب الإيمان بين الخوارج القائلين بتكفير أهل الكبائر، وبين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان؛ حيث قال المعتزلة: إن مرتكب الكبيرة فاسق خرج من الإيمان لكنه لم يدخل في الكفر، فوسطية المعتزلة في هذه الجزئية ليست مما يمدح لما اقترن بها من الباطل مثل الحكم على أهل الكبائر بالخلود في النار، فهي وسطية تخالف الوسط الذي بمعنى الخيرية، وهو الذي جاءت به نصوص الشرع الحنيف.
الحقيقة الثالثة: أن وسطية الإسلام ليست بمعنى الوسط الحسابي الذي يُعرِّفونه في علم الإحصاء المعاصر بأنه: ناتج قسمة مجموع القيم على عددها، ولا هو بمعنى الوسيط؛ وهو القيمة التي تقسم المجتمع إلى قسمين بحيث يكون ما قبلها مساويًا لما بعدها؛ أي أن الإسلام ليس وسطًا بمعنى أنه يحتوي على نسبة متساوية من كل من الطرفين، أو أنه يقف في نقطة تبعد بنفس المسافة عن كل من الطرفين.
فنحن نعلم مثلًا أن أهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات بين الشبهة والمعطلة، ومع ذلك فمسافة ما بين أهل السنة وأهل التعطيل أبعد من مسافة ما بين أهل السنة وأهل التشبيه؛ قال في شرح الطحاوية:"وشبهة النفي أردأ من شبهة التشبيه؛ فإن شبهة النفي رد وتكذيب لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وشبهة التشبيه غلو ومجاوزة للحد فيما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-"(١).
وفي واقعنا المعاصر كان يقال دائمًا: إن الإسلام وسط في باب المال
(١) شرح الطحاوية لابن أبي العز، بتحقيق التركي والأرناؤوط ص: ٢٥٩.