سمعت العباس الدّروى يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل. لا والله، لا نقدر على أحمد، ولا على طريق أحمد.
وحدثنا الوالد السعيد - إملاء بجامع المنصور - عن عبد الله بن عبد الرحمن أن عبد الله بن إسحاق المدائنى حدثه قال: حدثنا أبو الفضل الوراق قال: حدثنى أحمد بن هاني عن صدقة المقابرى، قال: كان فى نفسى على أحمد بن حنبل، قال: فرأيت فى النوم كأن النبى ﷺ يمشى فى طريق، وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل، وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسى فى أن ألحق بهما فما أقدر، فلما استيقظت ذهب ما كان فى نفسى، ثم رأيت بعد كأنى فى الموسم، وكأن الناس مجتمعون. فنادى مناد: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس:
فنادى: يؤمكم أحمد بن حنبل. فإذا أحمد بن حنبل. فصلى بالناس. وكنت بعد إذا سئلت عن شئ؟ قلت: عليكم بالإمام، يعنى أحمد بن حنبل.
فهذه الثمان التى ذكرها الشافعى، ويقرن بها أيضا ثمان خصال انفرد بها.
إحداها: الإجماع على أصوله التى اعتقدها، والأخذ بصحة الأخبار التى اعتمدها، حتى من زاغ عن هذا الأصل كفروه، وحذروا منه وهجروه، فانتهت إليه فيها الحجة، ووقفت دونه المحجة، وإن كانت كذلك مذاهب المتقدمين من أهل السنة والدين. فصار إماما متبعا، وعلما ملتمعا. وما أشبهه بالقراءات المأثورة عن السلف، ثم انتهت إلى القراء السبعة خير الخلف.
الثانية: اتفاق الألسن عليه بالصلاح، وإليه يشار بالتوفيق والفلاح. فإذا ذكر بحضرة الكافة من العلماء على اختلاف مذاهبهم فى مجالسهم أو مدارسهم قالوا: أحمد رجل من أهل الحديث صالح، لعمرى إنهما خلتان جليلتان، سأل الصلاح الأنبياء، والتمسه الأصفياء، قال الله تعالى فى قصة إبراهيم ﵇(٨٣:٣٦ ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾) وفى قصة سليمان (١٩:٣٧ ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾).