تصديق ذلك. ترى الخراسانى: يقدم من خراسان حاجا. يسبق الإمام إذا صلّى معه، وترى الشامى كذلك، والإفريقي، والحجازى، وغيرهم كذلك. قد غلبت عليهم المسابقة. وأعجب من ذلك: أقوام يسبقون إلى الفضل، ويبكرون إلى الجمعة، طلبا للفضل فى التبكير، ومنافسة فيه، فربما صلّى أحدهم الفجر بالمسجد الجامع، حرصا على الفضل، وطلبا له. فلا يزال مصليا، وراكعا وساجدا، وقائما وقاعدا، وتاليا للقرآن، وداعيا لله ﷿، وراغبا وراهبا، وهذه حاله إلى العصر، ويدعو إلى المغرب. وهو مع هذا كله: يسابق الإمام، خدعا من الشيطان لهم، واستيلاء، يخدعهم عن الفريضة الواجبة عليهم، اللازمة لهم، فيركعون ويسجدون معه، ويرفعون ويخفضون معه، جهلا منهم، وخدعا من الشيطان لهم، فهم يتقربون بالنوافل التى ليست بواجبة عليهم. ثم يضيعون الفرائض الواجبة عليهم. وقد جاء الحديث «لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة» وإنما يطلب الفضل فى التبكير إلى الجمعة: غير المضيع للأصل. لأنه قد يستغنى بالأصل عن الفضل، ولا يستغنى بالفضل عن الأصل. فمن ضيع الأصل فقد ضيع الفضل، ومن ضيع الفضل وتمسك بالأصل وأحكمه كفى به، واستغنى عن الفضل. وإنما مثلك فى طلب الفضل، وتضييعك الأصل: كمثل تاجر اتجر. فجعل ينظر فى الربح ويحسبه، ويفرح به قبل أن يرفع (١) رأس المال. فلم يزل كذلك يفرح بالربح ويغفل عن النظر فى رأس المال، فلما نظر إلى رأس ماله رآه قد ذهب، وذهب الربح، فلم يبق رأس مال ولا ربح
فرحم الله رجلا رأى أخاه يسبق الإمام، فيركع أو يسجد معه، أو يصلى وحده فيسئ فى صلاته: فينصحه ويأمره وينهاه. ولا يسكت عنه. فإن نصيحته واجبة عليه. لازمة له. وسكوته عنه إثم ووزر. فإن الشيطان يريد أن تسكتوا
(١) وفى نسخة المنار «يروج» وهى غلط، صححت فى طبعة الأستاذ محمود شاكر «يؤرج» وشرحها (التأريج) هو فى حساب الأموال: أن يثبت تحت كل اسم من دفعات القبض ليسهل عقده بالحساب. وهو ما نسميه اليوم «مسك الدفاتر»