القائم بأمر الله احتياج الحريم إلى قاض عالم زاهد. فراسل رئيس الرؤساء بالشيخ أبى منصور بن يوسف وبغيره إلى الوالد السعيد، وخوطب ليلى القضاء بدار الخلافة والحريم أجمع. فامتنع من ذلك. فكرر عليه السؤال. فلما لم يجد بدّا من ذلك اشترط عليهم شرائط.
منها: أنه لا يحضر أيام المواكب الشريفة، ولا يخرج فى الاستقبالات، ولا يقصد دار السلطان، وفى كل شهر يقصد نهر المعلى يوما وباب الأزج يوما.
ويستخلف من ينوب عنه فى الحريم.
فأجيب إلى ذلك.
وقد كان ترشح لولاية القضاء بالحريم القاضى أبو الطيب الطبرى، فعدل عنه إلى الوالد السعيد، وقلد القضاء فى الدماء والفروج والأموال. ثم أضيف إلى ولايته بالحريم: قضاء حران وحلوان. واستناب فيهما. فأحيا الله بالوالد السعيد من صناعة القضاء ما أميت من رسومها، ونشر ما طوى من أعلامها. فعاد الحكم بموضعه جديدا، والقضاء بتدبيره رشيدا.
وكان كما قال فيه تلميذه على بن نصر العكبرى، لما ولىّ الوالد القضاء:
رفع الله راية الإسلام … حين ردت إلى الأجلّ الإمام
التقى النقى ذى المنطق الصا … ئب فى كل حجة وكلام
خائف مشفق إذا حضر الخصما … ن يخشى من هول يوم الخصام
لم يزده القضاء فخرا، ولكن … قد كسا الفخر سائر الأحكام
بك يا ابن الحسين شدّت عرى الد … ين، وقامت دعائم الإسلام
رحمة من مدبر الخلق للخل … ق أظلت إذ قمت فى ذا المقام
تمم الله للخليفة ما أع … طاه من نعمة مدى الأيام
فلقد قلد القضاء رفيع القد … ر ذا رأفة على الأيتام
قد حوى من رعاية الدين … ما يعصمه من مواقف الآثام