وهى قرية على نهر ملك، وجمع مجتمع، فدخلت إلى الجامع، فرأيت ثلاثة أشخاص على المنبر، فقلت لبعض من كان بقربى: من هؤلاء؟ فقال لى: هذا النبى ﷺ، وأبو بكر وعمر. فقلت: يا رسول الله، بمن الاقتداء؟ فأومأ إلى شيخ قاعد على المرقاة التحتانية من المنبر. فقلت لمن كان بقربى: من هذا الشيخ؟ فقال لى: هذا أبو يعلى بن الفراء، أو كما قال (١).
قال: وقرأت بخط شيخنا الشريف أبي جعفر قال: رأيت شيخنا - يعنى الوالد السعيد - فى المنام، وهو فى أحسن صورة رأيته فى دار الدنيا. وكأنه شاب فى لحيته طاقات بياض يسيرة جدا، وهو بمسجده بباب الشعير، فتقدمت لأسلم عليه. فقال (سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة)
وكتب إلى على بن محمد بن المسبح قال: حدثنى أبى قال: أريت فى منامى كأن قائلا يقول لى: مات فى هذه الليلة أحمد بن حنبل فارثه. فانتبهت مرعوبا، وقلت: لعله بدعة تظهر، وسنة تموت. فو الله ما كان إلا أيام قلائل، فوصلتنى مكاتبة القاضى أبى على يعقوب بوفاة الإمام أبى يعلى فى الليلة التى رأيت فيها المنام
قال: وذكرت قول القائل «ارثه» فقلت ما لم أرضه. وما زلت. حتى قلت هذه الأبيات:
مات السّدى والندى والمجد والكرم … والعالم اليقظ المستبصر العلم
مات الإمام أبو يعلى الذى ندبت … لفقده الكعبة الغراء والحرم
يا أيها العالم الحبر الذى كسفت … شمس الهدى بعده، بل عادها الظلم
لولاك ما كان للدنيا وساكنها … معنى، ولا عرفت طرق الهدى الأمم
ولا روى عن رسول الله مأثرة … ولا قضى بصحيح عبر فيك فم
لم يبلغ الحنبلى الحبر مرتبة … إلا على رأسها من جسمك القدم
(١) لو كان رسول الله حقا هو المرئى القائل. لقال ما قال الله (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)