هذا الماء. قال: فنظر إلىّ وقال: لست أبى. فقلت: إيش أنتم؟ فقال: نحن الصبيان الذين متنا فى دار الدنيا، فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء. قال: فلهذا تمنيت موته
وقال محمد بن عبد الله الكاتب: كنت يوما عند محمد بن يزيد المبرد، فأنشد:
جسمى معى، غير أن الروح عندكم … فالجسم فى غربة. والروح فى وطن
فليعجب الناس منى: أن لى بدنا … لا روح فيه. ولى روح بلا بدن
ثم قال: ما أظن قالت الشعراء أحسن من هذا. قلت: ولا قول الآخر؟ قال: هيه، قلت: الذى يقول:
فارقتكم، وحييت بعدكم … ما هكذا كان الذى يجب
فالآن ألقى الناس معتذرا … من أن أعيش وأنتم غيب
قال: ولا هذا. قلت: ولا قول خالد الكاتب:
روحان لى: روح تضمنها جسد … وأخرى حازها بلد
وأظن شاهدتى كغائبتى … بمكانها تجد الذى أجد
قال: ولا هذا. قلت: أنت إذا هويت الشئ ملت إليه. ولم تعدل إلى غيره. قال: لا، ولكنه الحق. فأتيت ثعلبا فأخبرته. فقال ثعلب: ألا أنشدته
غابوا فصار الجسم من بعدهم … ما تنظر العين له فيّا
بأى وجه أتلقاهم … إذا رأونى بعدهم حيّا؟
يا خجلتى منهم، ومن قولهم: … ما ضرك الفقد لنا شيئا
قال: فأتيت ابراهيم الحربى، فاخبرته. فقال: ألا أنشدتهم:
يا حيائى ممن أحب إذا … ما قال بعد الفراق: إنّي حييت
لو صدقت الهوى على الصحة … لما نأى لكنت تموت
قال: فرجعت إلى المبرد، فقال: أستففر الله إلا هذين البيتين، يعنى بيتى إبراهيم الحربى