. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَيَتَخَشَّعُ قَلْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاهِبُ الرَّبَّانِيَّةُ تَكُونُ مَعَ الْعُزْلَةِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [مريم: ٤٩] الْآيَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ شَأْنُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادُ اللَّهِ الْعَارِفِينَ.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) حِرَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَصْرُوفٌ مُذَكَّرٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَكْثَرُ فَمَنْ ذَكَّرَهُ صَرَفَهُ وَمَنْ أَنَّثَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ، أَرَادَ الْبُقْعَةَ أَوْ الْجِهَةَ الَّتِي فِيهَا الْجَبَلُ.
قَالَ الْقَاضِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَرًى بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْقَصْرِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْعَوَامِّ يُخْطِئُونَ فِي حِرَاءَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ وَيَكْسِرُونَ الرَّاءَ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَيَقْصُرُونَ الْأَلِفَ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ، وَحِرَاءُ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عَنْ يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) التَّحَنُّثُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ التَّعَبُّدُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَصْلُ الْحِنْثِ الْإِثْمُ فَمَعْنَى يَتَحَنَّثُ يَتَجَنَّبُ الْحِنْثَ فَكَأَنَّهُ بِعِبَادَتِهِ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَمِثْلُهُ يَتَحَرَّجُ يَتَجَنَّبُ الْحَرَجَ وَيَتَأَثَّمُ يَتَجَنَّبُ الْإِثْمَ، وَقَوْلُهُ «اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ» يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَتَحَنَّثُ ظَرْفٌ لَهُ أَيْ يَتَحَنَّثُ اللَّيَالِيَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالتَّعَبُّدِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُ التَّحَنُّثِ بِكَوْنِهِ تَعَبُّدًا لَيَالِيَ ذَوَاتِ عَدَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ التَّعَبُّدُ وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اعْتَرَضَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ عَائِشَةَ وَأَصْلُهُ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَتَقَدَّمَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ إلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يَنْسُكُ فِيهِ» .
وَكَذَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ تِلْكَ اللَّيَالِيَ كَانَتْ شَهْرًا.
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَعَبَّدُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَلَّيْت شِعْرِي كَيْفَ تِلْكَ الْعِبَادَةُ وَأَيُّ أَنْوَاعِهَا هِيَ؟ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَعَلَهَا؟ يَحْتَاجُ ذَلِكَ لِنَقْلٍ وَلَا أَسْتَحْضِرُهُ الْآنَ، وَهَلْ كَانَ مُكَلَّفًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرِيعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute